أطروحات دستورية

هذه المدوّنة لا تدعو لتعديل دستور مصر الحالي بل إلى تغييره ... إلى ما هو أفضل.
يحتاج الدستور المصري المنشود إلى حوار قومي يشارك فيه الشعب مع المتخصصين. وإذ يبدأ الحوار من علامات الاستفهام، جاءت هذه المدوّنة لتطرح بعض النقاط وتدعو لمناقشتها

Saturday, April 02, 2005

الله والدولة وما بينهما...1

مقدمة:

أرى أن الدعوة لفصل الإيمان عن السياسة لا معنى لها، وبالمثل الدعوة لفصل الله عن المجتمع أو فصل الدين عن الحياة اليومية. الفصل الوحيد الذي أدعو له بقوة هو الفصل بين المؤسسات الدينية والدولة (ولا أقول الدين بشكل عام بل المؤسسات الدينية).

أنا كمؤمن بالله أدعو كل مؤمن أن يجعل حياته اليومية تعبيرًا عن إيمانه بالله وعن تمسكه بمبادئ دينه، وكمؤمن بالديمقراطية أدعو لتطبيقها واثقـًا أن من خلالها تصبح سياسة الدولة تعبيرًا عن إرادة الجمهور بكل ما تحمل هذه الإرادة من جوانب منها الجانب الإيماني والديني دون الحاجة للخلط بين أجهزة الدولة والمؤسسات الدينية مثلما هو الحال في مصر.

تحليل ونقد الوضع الحالي في مصر:

يرد في المادة رقم 2 من الدستور المصري الحالي أن "الإسلام دين الدولة" وأن "مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع". وإن بدا هذين النصين، للوهلة الأولى، متماشيين مع رغبة المسلمين وهم أغلبية الشعب المصري، إلا أنهما يطرحان العديد من المشاكل.

أولا ً: مقولة أن الإسلام دين الدولة ليست دقيقة لأن الدولة في مفهومها المجرد ليست كائنـًا بشريًا يؤمن ويعبد الله، بل من يؤمن ويعبد هو الإنسان أي الفرد الذي يكوّن المجتمع ويبني الدولة. وإذا اقترح البعض أن يقول الدستور أن "الإسلام دين الشعب المصري" سوف يكون ذلك تعبيرًا أفضل لكنه ليس دقيقـًا لأن الإسلام دين الأغلبية وليس دين كل الشعب المصري مما سوف يؤدي لمشكلة أكبر. بناءً على ذلك أقتر أن يذكر الدستور أن "الشعب المصري يؤمن بالله" دون تحديد الإسلام أو أي ديانة أخرى.

ثانيًا: تعبير "الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع"، وإن بدا منطقيًا لأن أغلب المصريين يؤمنون بالشريعة، إلا أن وجوده في الدستور بهذا الشكل لا يجعله تعبيرًا عن إرادة الجماهير المؤمنة بل يعطي جزء كبير من السلطة لمجموعة محدودة من رجال الدين بصفتهم دارسي ومفسري هذه الشريعة.

ثالثـًا: هذه المجموعة من العلماء ورجال الدين المتمتعون بهذه السلطة مثل مفتي الجمهورية وشيخ الأزهر والبابا بالنسبة للأقباط، وهم رؤساء المؤسسات الدينية الكبرى في مصر، يتم اختيارهم بتدخل من رجال الحكم إما بالتعيين المباشر أو بوجوب موافقة أجهزة الدولة والأمن عليهم، مما يجعل مصدر سلطاتهم ليس فقط مستمدًا من علمهم ومن انتخاب أعضاء مؤسساتهم لهم بل أيضًا مستمدًا من علاقاتهم مع الحكام والإرادة السياسية. أرى أن ذلك يقلل من مصداقية الممارسة السياسية لرجال الدين ولمؤسساتهم.

رابعًا: هناك خلط مالي واضح بين أجهزة الدولة والمؤسسات الدينية، وأكبر دليل على هذا هو وجود وزارة اسمها وزارة الأوقاف على رأسها وزير عضو في الحكومة لإدارة الأوقاف التي هي في الأصل أراضي وعقارات وهبها المؤمنون لمساندة المؤسسات الدينية ودور العبادة. وجود هذه الوزارة يجعل الدولة والحكام يبدون وكأنهم الأوصياء الذين يرعون أموال المؤسسات الدينية وكأن هذه المؤسسات غير قادرة على إدارة شئونها المالية. ما الذي يضمن ألا تقوم الدولة باغتصاب أموال الأوقاف بدون وجه حق أو بالعكس بدعم المؤسسات الدينية من أموال دافعي الضرائب دون وجه حق في ظل هذا الخلط المالي؟

خامسًا: يحاول رجال الحكم أن يظهروا بمظهر المدافعين عن الدين ويحظون بمباركة رجال الدين مما يعطي إيحاءً بوجود جزء من الشرعية الدينية لحكمهم، وأعتقد أن الهدف من ذلك هو تعويض نقص الشرعية الناتج عن ضعف الديمقراطية وقلة مشاركة الناخبين.

تحليلي للموقف هو أن الخلط الكائن في مصر بين أجهزة الدولة والمؤسسات الدينية ليس عبثـًا ولا صدفة، بل هو صفقة ضمنية رمزية يفرضها رجال الحكم ويضطر رجال الدين لقبولها، يتم بمقتضى هذه الصفقة تبادل المنفعة خصوصًا في صالح رجال الحكم، وذلك على حساب الجماهير بصفتهم مؤمنين بالنسبة للمؤسسات الدينية ومواطنين بالنسبة للدولة.

اقتراحي للدستور المنشود:

لا أريد دستور يسمح للحكام أو للمؤسسات الدينية أو لمن يفترضون في أنفسهم صفة دينية أن يستغلوا إيمان المصريين لتحقيق مكاسب سياسية. لهذا أدعو للآتي:

* أن ينص الدستور بوضوح على أن الشعب المصري (المواطنين وليس الدولة) يؤمن بالله ويحترم جميع الأديان التي تدعو لعبادة الله الواحد.

* أن ينص على أن الإرادة الشعبية هي المصدر الوحيد للتشريع.

* ألا يجوز للدولة إدارة الأوقاف التي يجب أن ترد إلى أصحابها وهم المؤسسات الدينية ودور العبادة، وألا يجوز للدولة تمويل المؤسسات الدينية (فيما عدا ترميم وصيانة دور العبادة ذات الصفة الأثرية).

وللحديث بقية.

10 Comments:

At 5:57 PM, Anonymous Anonymous said...

أنا مصرى لا يؤمن بأى اله أو دين ما وضعى فى سياق دستورك المقترح.

ما معنى أن الدستور ينص على ايمان المصريين، هل أفقد جنسيتى أم يفرض على الايمان؟

ذات الاسئلة لمن لا يوحد بالله واحد.

 
At 9:44 PM, Blogger Milad said...

رد:
لم أتحدّث بعد عن حرية العقيدة، سوف أفعل لاحقـًا في أطروحة أخرى.
في حدود ما قلته فإن الفصل بين المؤسسات الدينية والدولة سوف يحل مشكلتك، لن يكون هناك داعي لأن تفقد الجنسية ولن يفرض أحد عليك أو على أسرتك إيمان معين، فهي مسألة شخصية لا تتدخل فيها الدولة.
اقتراحي بكتابة أن "الشعب المصري يؤمن بالله" سوف يحرمك فقط من دعوة الآخرين بشكل علني لعدم الإيمان، أي أن وضعك سيكون بمثابة خروج مقبول عن القاعدة العامة وغير مسموح له أن يصبح قاعدة عامة

 
At 8:43 AM, Blogger R said...

ما أهميّة أن يكتُب الدستور أنّ غالبيّة المصريّين يؤمنون بالله؟ لا أفهم ما أهميّة هذا في دستور.
هل يرد في الدستور مثلاً: المصريّون معظمهم سُمر البشرة مع أقليّات فاتحة وغامقة؟
هل يذكُر الدستور أنّ الوجبات الشعبيّة هي الفول والفلافل والكشري؟

هل يذكُر أنّ أم كلثوم هي المطربة الرسميّة؟

لا أفهم ما أهميّة معلومة في الدستور لا تُبنى عليها تشريعات.
ـ

 
At 12:37 PM, Anonymous Anonymous said...

انا اتفق معك فى المبداء لكن اختلف فى ذكر اى دين فى الدستور. لابد ان يتعلم الناس ان الدين حاجه شخصيه بين المؤمن و الله يعبد الله فى المسجد او الكنيسه. لكن للاسف الان فى مصر الناس عندها جنون دينى بسبب انتشار ثقافه الاسلام السياسى و لا اعلم متى سوف نتخلص منها و يصير الدين بين الله و العابد و الوطن للجميع.

 
At 6:40 PM, Blogger Milad said...

ردًا على راء:
أنت تحسب أن الحديث عن الإيمان والدين في الدستور ليس له مردود في التشريعات، وبالتالي تتساءل عن أهمية ومعنى ورود مثل هذا البند.
أنا أخالفك الرأي لأن هناك تشريعات هامة تتعلق بالإيمان والممارسة الدينية أرى أنه لا يمكن الخوض فيها إذا لم يكن في الدستور خلفية نستند عليها، أعنى مثلا ً قانون حرية الممارسة الدينية والقوانين الخاصة ببناء وتمويل وإدارة دور العبادة والمؤسسات الدينية والقوانين الخاصة بالتعليم الديني ومسألة السماح أو منع التبشير الديني وغيرها

 
At 8:28 AM, Blogger R said...

ـ"أنت تحسب أن الحديث عن الإيمان والدين في الدستور ليس له مردود في التشريعات، وبالتالي تتساءل عن أهمية ومعنى ورود مثل هذا البند."
ـ
لا.. أنا فاهم دور الدين في الدستور الحالي. وأنا متّفق معك في أنّ عبارة "دين الدولة" هي عبارة خالية من المعنى.

ما أختلف فيه هو ما معنى وما أهميّة ذكر إيمان المصريّين بالله أو بهُبَل؟
المهم.. هل سيرجِعون إلى الدساتير العالميّة ووثائق حقوق الإنسان أم إلى شريعة موسويّة أو شريعة إسلاميّة؟
وماذا إن تعارضت بنود في شريعة دينيّة عن مواثيق الأمم المتّحدة؟
هذه هي الزُبَد..
أمّا كونك تكتب أنّ إرادة الشعب هي مصدر التشريع ولكنّهم مؤمنون طيّبون ، مزاجهم الديني يميل إلى الأديان السماويّة وأكثرهم يتبعون المذهب الإسلام السنيّ على طريقة أبي حنيفة أو الشافعيّ وأقلّهم مسيحيّون أدثوذكس لا خليقيدونيّون؟
ما أهمية هذا التصريح؟

لو الدين مهم جدّاً عند الناس لا بد أن يجلسوا ويروا ما الذي سيربُط الأمّة، وماذا يريدون في الدستور كي يكون مرضياً لما يمليه ضميرهم بحسب إيمانهم.
غير هذا كلام لتغذية كتب التربية الوطنيّة والأغاني القوميّة.
ـ

 
At 3:27 PM, Blogger African Doctor said...

أتفق تماماً مع راء في التساؤل عن أهمية كتابة مثل هذه العبارة في الدستور. ماأهمية مثل هذا التعريف؟ إن كانت له أهمية تشريعية أصبح المقصود بها هنا هي الشريعة الإسلامية حيث أن المسيحية لا يوجد بها تشريع. إلا إذا كنا سنستلهم شريعة موسى مثلاً! و هل لا توجد شرائع راقية خارجاً عن الإيمان بالله؟؟ هل نعجز عن وضع تشريع إنساني راقٍ يتفق الكل عليه دون إلزامهم بإيمان معين؟ لا أرى داعياً ملحاً لذكر دين المصريين في دستور جديد فهذا ربما يخلق نوعاً جديداً من التمييز بين من يؤمن و من لا يؤمن و بهذا نكون كمن غير اسمه من أحمد أراجوز إلى علي أراجوز !

 
At 8:34 PM, Blogger Milad said...

بدأت أقتنع بآرائكم لكن مشكلتي هي أني لا أريد علمانية على الطريقة الفرنسية* لأني أرى ذلك مبالغ فيه ومدمر للمجتمع إذ أنه خلق حساسية مفرطة لدى الفرنسيين ضد كل ما له صلة بالدين. هناك تجارب أخرى لدول تذكر في دساتيرها العلمانية على الطريقة الفرنسية (باستخدام لفظ مأخوذ مباشرة ً من الفرنسية*) مثل تركيا والمكسيك، ولكني أعتقد أن في هذه الحالتين تم فرض العلمانية من فوق دون أن يعبّر ذلك عن تيارًا شعبيًا مما يجعلني لا أريد تكرار هذه التجارب. هناك أيضًا دستور مدغشقر الذي يذكر العلمانية باستخدام اللفظ الفرنسي لكنه يذكر في المقدمة الإيمان بالله الخالق: صيغة يمكن أن تعجب البعض لكنها تثير عندي نوع من السخرية. هناك دساتير لا تذكر شيئـًا عن الدين ويتم تفسير ذلك على أنه فصل بين المؤسسات الدينية والدولة ولكني أخاف من تبنّي هذا الموقف حتى لا يتم تفسير ذلك على أنه لا مانع من الخلط بينهم. لهذه الأسباب فكرت في تحاشي الحديث عن العلمانية بشكل مباشر واستبدال ذلك بتوضيح الفصل بين المؤسسات الدينية والدولة وإضافة بند الإيمان بالله دون ذكر دين بذاته لضمان عدم إحداث حساسية ضد الدين ولإمكان الاستمرار في تدريس التربية الدينية في المدارس (سأقترح في أطروحة لاحقة أن تصبح التربية الدينية مادة اختيارية).
بعد قراءة التعليقات اقتنعت أن هذه الصيغة ليست جيدة لذلك سوف أحذفها وأعيد التفكير في الموضوع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* Laïcité en français, Laiklik in Turkish & Laicidad en Mexicano.

 
At 6:49 PM, Blogger Darsh-Safsata said...

اسمحوا لي أن أختلف معكم لاعتبارات عملية أكثر منها منطقية
فأناأؤمن تماما بالعلمانية وأرى أنه لا سبيل للتقدم الا بالفصل الكامل بين الدين والدولة ولكن نظرة الى واقع المجتمع المصري اعتقد أنها تجعل من ذلك امرا شبه مستحيل للتحقيق على الفور، واذا كنا نريد محاولة تطوير المجتمع تدريجيا فيجب ان نقبل وجود نص بالدستور يفرغ النص الحالى من تاثيره السلبي على التشريع وفي ذات الوقت لا يعطي فرصة لقتله قبل صدوره
لا زلت لا اقبل مقولة الشعب المصري يؤمن بالله لانها حجر على ايمان الشعب الموجود حاليا ومن يولد في المستقبل بالاضافة الى وجود اعدادا من الملحدين
اذكر ان الدستور السوداني في اوائل السبعينات قد حاول التغلب على ذلك وان كنت لا اذكر النص بدقة ولكنه كان تقريبا ما يلي:
الدين الاسلامي دين غالبية المواطنين والدولة تعمل على رعايته ونشره، والدين المسيحي ديانة نسبة من المواطنين والدولة تعمل على رعايته ونشره
وان كنت لا افضل وضع النص الخاص بالمسيحية لانه سيثير الكثير من المشاكل فانني اقترح ان يكون النص:
الدين الاسلامي دين غالبية المواطنين وتعمل الدولة على رعايته
اما عن فصل المؤسسات الدينية عن الدولة فايضا برغم اقتناعي بضرورتها الا انه مرة اخرى في ظل الظروف الحالية ليس امرا مفضلا جدا حيث انه يتيح اعطاء فرصة اطول للدولة على السيطرة الاسلام السياسي، وان كنت لن استطيع معارضة ذلك الفصل اذا كانت هناك مطالبة شعبية حقيقية بذلك ولكن اذا كان الكل سعيد او مستفيد من هذا الوضع فلماذا تغييره؟

 
At 7:19 PM, Blogger dragon said...

أظن اننا دخلنا في موضوع هامشي و نسينا او تناسينا المشكلة الاساسية.

بنتلكم و بنناقش هوامش الموضوع الأصلي

الموضوع الأصلي هو الدستور المصري علي ما اظن و لكن هل كل ما تم كتابته هنا او هناك و كل المناقشات في جوانب الدستور سيكون لها قيمة؟ أم ستكون كلمة قناها فقرأوها فنسوها و نسيناها ...

بصراحة أظن ان مفيش داعي نتكلم عن شئ اظننا عاجزين عن تحقيقه

هل سيكون لهذه النقاشات جدوي لتغيير (أو حتي تعديل) الدستور؟

لا

اقولها بكل صدق بكل حسرة و بكل ندم :(

 

Post a Comment

<< Home

الدستور المصري - دستور مصر - الدستور المصري - دستور مصر -الدستور المصري - دستور مصر - الدستور المصري - دستور مصر -الدستور المصري - دستور مصر - الدستور المصري - دستور مصر -الدستور المصري - دستور مصر - الدستور المصري - دستور مصر -الدستور المصري - دستور مصر - الدستور المصري - دستور مصر -الدستور المصري - دستور مصر - الدستور المصري - دستور مصر -الدستور المصري - دستور مصر - الدستور المصري - دستور مصر -الدستور المصري - دستور مصر - الدستور المصري - دستور مصر