أطروحات دستورية

هذه المدوّنة لا تدعو لتعديل دستور مصر الحالي بل إلى تغييره ... إلى ما هو أفضل.
يحتاج الدستور المصري المنشود إلى حوار قومي يشارك فيه الشعب مع المتخصصين. وإذ يبدأ الحوار من علامات الاستفهام، جاءت هذه المدوّنة لتطرح بعض النقاط وتدعو لمناقشتها

Friday, March 04, 2005

هل نبني الجمهورية على أيديولوجية؟

مقدمة:

هناك نوعان من الأيديولوجيات السياسية. النوع الأول مشترك، ومن المفترض أن تتبناه وتخضع له جميع القوى والتيارات السياسية العاملة، مثال على ذلك مبادئ الديمقراطية واحترام النظام الجمهوري. والنوع الثاني يمِّز كل قوة أو تيار سياسي عن سواه ليصنفّ التوجّهات السياسية إلى يمين ويسار ووسط وطريق ثالث، مثال على هذه الأيديولوجيات الفكر الاشتراكي أو التقدمي أو الوحدوي أو القومي أو الاجتماعي أو الرأسمالي أو الناصري أو الليبرالي أو المناهض للعولمة أو الماركسي أو المدافع عن حقوق الإنسان أو المحافظ أو الشيوعي أو المدافع عن البيئة أو المناهض للتمييز ضد المرأة ... أو غيرها ... أو مزيج منها ... أو انعدام لأي فكر سياسي. من واجب الدستور أن يفرض الأيديولوجيات العامة من النوع الأول على الجميع فلا يعطي الشرعية لأي قوة سياسية لا تحترم الديمقراطية والنظام الجمهوري، وأيضًا من واجبه أن يسمح لجميع الأيديولوجيات المميّزة من النوع الثاني أن تتواجد في الساحة السياسية مع بقاء الدستور محايدًا تجاهها.

أما الوضع الحالي للدستور المصري فهو على غير ذلك، بل أن به ما يدمّر الحياة الحزبية.


تحليل ونقد الوضع الحالي في مصر:

ينص البند رقم 1 من الدستور المصري الحالي على أن "جمهورية مصر العربية دولة نظامها اشتراكي ديمقراطي... "، فضلا ً عن وجود العديد من الإشارات الأخرى مثل لفظ "المكاسب الاشتراكية".

عندما وُضع هذا البند الأول مع باقي الدستور عام ، أي1971 في بدايات الفترة الرئاسية الأولى للسادات، كان يحمل كل معناه لأن مصر كانت بالفعل في ذلك الوقت دولة اشتراكية بحسب النموذج الناصري وكان يحكمها الحزب الواحد وهو الاتحاد الاشتراكي. غير أن الوضع بدأ يتغيَّر بعد ذلك بثلاث سنوات فقط إذ أن السادات أخذ بمبدأ الانفتاح الاقتصادي، ثم بعدها تم الاعتراف بوجود تيارات سياسية مختلفة داخل الحزب الواحد سرعان ما تحوّلت إلى أحزاب سياسية مستقلة في نظام التعددية الحزبية. منذ ذلك الحين تحوّل هذا البند من الدستور إلى نوع من أنواع العبث فأصبح مجرّدًا من معناه. ومن الجدير بالذكر أن الحزب الحاكم وهو الوطني الديمقراطي لا ينسب لنفسه صفة الاشتراكية فهو لا يحمل في داخله الفكر الاشتراكي مع أنه سليل تيار الوسط في الاتحاد الاشتراكي السابق.

يتساءل البعض أحيانـًا عن جدوى الاحتفاظ بهذا البند في الدستور فتكون الإجابة أن الاشتراكية المشار إليها تحمل معنى واسعًا فضفاضًا يمكنه أن يسع كل الأفكار والسياسات، أي بمعنى آخر أن الاشتراكية المقصودة لا تمت للاشتراكية المتعارف عليها بصلة بل هي مجرد بقايا الماضي الذي لا نعرف كيف نواجهه.

والغريب في الأمر أن السادات أجرى بالفعل عام 1980 تعديلا ً دستوريًا شمل بنودًا عديدة منها هذا البند الأول، ولكنه لم يحاول أن يحذف الأيديولوجية الاشتراكية من الدستور مع أنها لم تكن تتماشى مع واقع سياساته. هل كان ينوى إرجاء ذلك لوقتٍ لاحق لكن لم يمهله القدر، أم أنه اكتفى بإفراغ الاشتراكية من مضمونها السياسي فلم يعد استمرار وجود التعبير اللفظي عنها يشكل مضايقة له؟ إذا كان لدى أحد القراء تفسيرًا لذلك أتمنى أن تشاركوني به.


اقتراحي للدستور المنشود:

* أن ينص الدستور بوضوح وبتفاصيل عملية على الديمقراطية ومبادئ النظام الجمهوري فلا يسمح لأي تيار سياسي أن ينال من هذه الأيديولوجيات العامة أو أن تخطى إحداها.

* ألا ينص الدستور بأي شكل من الأشكال على توجّه أيديولوجي مميِّز للدولة تاركـًا تلك المهمة للتيارات والقوي السياسية الممثلة في الأحزاب المختلفة كي تدخل فيما بينها في حوار ومواجهة وبناءً عليه يختار الجمهور في إطار الانتخابات الديمقراطية الاتجاه الذي يريده لتسيير المجتمع والدولة

5 Comments:

At 4:10 PM, Blogger AG said...

أتابعك منذ أن نوه رامي إلى مدونتك. قد ترغب أن ترعى مشروع دستور يكتبه المصريين على إنترنت بطريقة تعاونية، كما في ويكي على سبيل المثال. قد ترغب الحركة المصرية من أجل التغيير في استضافة الموقع، فهم بحاجة الآن لكل ما يحفز الناس بعد إعلان 26 فبراير. بدلا من أن تكتب دستورا، ثم تحاول إقناع باقي المصريين بجودته، قد يكون من المفيد أن تحاول عينة منهم الاتفاق على صيغة ترضيهم، كما فعلوا إلى الآن مع كفاية.

 
At 12:36 PM, Blogger African Doctor said...

لا تتعارض الاشتراكية مع الديمقراطية بأي حال من الأحوال...
و الأفضل -في رأيي- هو تطبيق هذه المادة مع شيء من التعديل. فالنموذج الناصري لم يع يصلح بالطبع الآن و لكن هذا لا يبرر الاستغناء الكامل عن مركزية الخدمات مثلاً. هل يمكن في هذا السياق تطبيق الاشتراكية الديمقراطية كما في نماذج فرنسا أو السويد أو حتى المملكة المتحدة (و أعني هنا مجال الرعاية الصحية بالتحديد NHS)؟
هل يمكننا البحث عن صيغة اشتراكية تضمن حقوق الأغلبية الصامتة أو الكتلة الغاطسة كتعبير د.رشدي سعيد؟

 
At 10:29 PM, Blogger R said...

أنا لا أرى ما يمنع أن يحتوي الدستور على أيديولوجيّة، وبصراحة لا أفهم كيف يكون الدستور محايداً 100% تجاه الأيديولوجيّات المطروحة.
مثلاً، المكَوِّن الاشتراكي في الدستور المصريّ يحكُم عدداً من بنود الدستور مثل:
- الحفاظ على المكاسب الاشتراكيّة
- الـ50% عمّال وفلاّحين
إلخ...

ولو صار هذا الآن أمراً لا معنى له، لزم تغيير الدستور. وهذا بالتحديد ما فعله السادات للتقليل من الهويّة الاشتراكيّة بتخفيفها إلى الاشتراكيّة الديمقراطيّة (تلك الحركة التي نمت وترعرعت في دول اسكندنافيا ومنها إلى دول أوروبيّة أخرى لتقف وسطاً بين الرأسماليّة الليبراليّة وبين الاشتراكيّة الماركسيّة أو الماويّة).
وهكذا...

باختصار يعني أرى أنّه من المستحيل أن يخلو الدستور من مسحة "أيديولوجيّة" لكنّ المهمّ ألا تكون تلك الإضافة لإرضاء طائفة أو حركة شعبيّة وألاّ تكون لمجرّد التباهي بهويّة على طريقة (نحنُ هُنا). يعني أنا مثلاً أرى المادّة الخاصّة بدين الدولة مادّة خالية من المعنى، لأنّ الدوَل لا تعبُد بل أفرادُها يعبُدون.

إذن على الشعب كلّه (وليس نوّابه) أن يصوِّتوا على العناصر الرئيسيّة في الدستور. ماذا إن كان الشعبُ لا يريدُها ديمقراطيّة على الطراز الغربيّ؟ ماذا لو كانوا لا يريدونها جمهوريّة؟ هل اخترنا هذا الشكل؟ لماذا تستثنيه وتلقي بالاشتراكيّة خارجاً؟

 
At 12:36 PM, Blogger Milad said...

أعزائي راء والطبيب الأفريقي، أنا بالفعل شديد الإعجاب بالنظام السياسي الفرنسي، فهي أحيانًا دولة رأسمالية تحرص على الاستفادة من المكاسب الاشتراكية وأحيانًا دولة اشتراكية تحرص على الاستفادة من المكاسب الرأسمالية وأتمنى لمصر أن تتخذ توجهًا مشابهًا.
وبقراءة الدستور الفرنسي الحالي نكتشف أنه لا إشارة فيه للرأسمالية أو للاشتراكية أو لغيرها من الأيديولوجيات من النوع الثاني. ينص البند الأول على أن:
La France est une République indivisible, laïque, démocratique et sociale.
الكلمة الأخيرة تعني "اجتماعية" وهي تخلو من الإشارة إلى الفكر الاشتراكي في حد ذاته، أو على الأقل تخلو من الإشارة المباشرة له.
أعتقد أن الوسطية الفرنسية هي نتيجة لتعاقب حكومات يمينية ويسارية على مر تاريخها الحديث حيث قامت كل حكومة بإضافة ما عندها دون أن تحاول هدم ما بنته سالفتها. حياد الدستور هو الذي جعل هذا التكامل ممكنًا.

 
At 12:54 PM, Blogger Milad said...

يا صاحب الأشجار، أشكرك لأن تعليقك يجعلني أعاود التفكير في سبب إنشاء هذه المدوّنة والشكل الذي هي عليه. أنا لا أدّعي كتابة دستورًا ومحاولة إقناع الآخرين بجودته، خصوصًا أنني غير مؤهّل لذلك. الأطروحات التي أقدّمها هي دعوة للتفكير وبداية لمناقشات في شكل تعليقات داخل المدوّنة ثم خارجها.
فكرتك حول تكوين جماعة تبدأ في التفكير والكتابة، تتخذ شكل حركة كفاية أو تنبع من الحركة ذاتها، هي فكرة رائعة. لنقل أن الأطروحات هذه هي كل ما في استطاعتي عمله في الوقت الراهن نظرًا لظروف الغربة والدراسة، وأعدك أن أعاود التفكير في محتوى تعليقك لاحقـًا.

 

Post a Comment

<< Home

الدستور المصري - دستور مصر - الدستور المصري - دستور مصر -الدستور المصري - دستور مصر - الدستور المصري - دستور مصر -الدستور المصري - دستور مصر - الدستور المصري - دستور مصر -الدستور المصري - دستور مصر - الدستور المصري - دستور مصر -الدستور المصري - دستور مصر - الدستور المصري - دستور مصر -الدستور المصري - دستور مصر - الدستور المصري - دستور مصر -الدستور المصري - دستور مصر - الدستور المصري - دستور مصر -الدستور المصري - دستور مصر - الدستور المصري - دستور مصر