أطروحات دستورية

هذه المدوّنة لا تدعو لتعديل دستور مصر الحالي بل إلى تغييره ... إلى ما هو أفضل.
يحتاج الدستور المصري المنشود إلى حوار قومي يشارك فيه الشعب مع المتخصصين. وإذ يبدأ الحوار من علامات الاستفهام، جاءت هذه المدوّنة لتطرح بعض النقاط وتدعو لمناقشتها

Wednesday, May 11, 2005

الرئيس... غير مسئول! ـ

مقدمة:

رأينا في الأطروحة السابقة أن الدستور المصري الحالي يضع الرئيس في مكانة هامة إذ أن له دور كرئيس للدولة ككل ودور كرئيس للسلطة التنفيذية وهو بذلك له تأثير كبير على وضع وتنفيذ السياسة العامة للدولة. هل يعني ذلك أن الرئيس هو المسئول أمام المواطنين عن نتائج هذه السياسة؟ الإجابة بالنفي.

تحليل ونقد الوضع الحالي في مصر:

"يضع رئيس الجمهورية بالاشتراك مع مجلس الوزراء السياسة العامة للدولة، ويشرفان على تنفيذها" (م 138)، كما "يلقى رئيس الجمهورية عند افتتاح دور الانعقاد العادي لمجلس الشعب بيانا يتضمن السياسة العامة للدولة" (م 132)، ومع ذلك لا يتحمل المسئولية عن هذه السياسة إلا مجلس الوزراء وحده. والمقصود بالمسئولية هنا هو قابلية المسئول لأن يتعرّض للمسائلة والاستجواب وسحب الثقة أو الإجبار على الاستقالة إذا لم يوافق الشعب أو نوابه عن هذه السياسة.

الدستور المصري الحالي واضح في هذه النقطة: "الوزراء مسئولون أمام مجلس الشعب على السياسة العامة للدولة. وكل وزير مسئول عن أعمال وزارته. ولمجلس الشعب أن يقرر سحب الثقة من أحد نواب رئيس مجلس الوزراء أو أحد الوزراء أو نوابهم [...]" (م 126)، وذلك بالطبع بعد الاستجواب (م 125) وتوجيه الأسئلة (م 124).

هل يوجد أي مادة مشابهة تقر مسئولية الرئيس؟ لا.

ولا يجب أن ننسى أنه بحسب المادة 141 " يعين رئيس الجمهورية رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم، ويعفيهم من مناصبهم"، أي أن الرئيس يعينهم جميعًا ويضع بالاشتراك معهم السياسة، عندما يحين وقت إعلانها أما مجلس الشعب يقوم هو بإلقاء البيان أما عندما يأتي وقت الحساب ينفض الرئيس عن نفسه كل المسئولية.

بل أن الدستور المصري الحالي يذهب لأبعد من ذلك عند الحديث عن مسئولية رئيس مجلس الوزراء أمام مجلس الشعب إذ أنه "[...] لرئيس الجمهورية أن يعرض موضوع النزاع بين المجلس والحكومة على الاستفتاء الشعبي [...]" (م 127) وفي حالة سحب الثقة "[...] يقدم رئيس مجلس الوزراء استقالته إلى رئيس الجمهورية إذا تقررت مسئوليته أمام مجلس الشعب" (م 128) وكأن الرئيس يأخذ موقفـًا محايدًا دون أن يتحمل جزء من المسئولية مناسب لحجم مساهمته في وضع السياسة محل النزاع.
ولا يتحمل الرئيس أي مسئولية إلا عندما "يكون اتهام رئيس الجمهورية بالخيانة العظمى أو بارتكاب جريمة جنائية بناء على اقتراح مقدم من ثلث أعضاء مجلس الشعب على الأقل." (م 85). المسئولية الجنائية ليست موضوع حديثنا هنا، أما تهمة الخيانة العظمى فهي من اسمها تدل على أن هذا الإجراء الذي يضع المسئولية السياسية على كاهل الرئيس لا يتم تطبيقه إلا في الحالات القصوى فقط لأنه في جميع الحالات الأخرى يكفي للنظام تغيير الوزير أو مجلس الوزراء المسئول.

ومن ناحية أخرى يجب أن نلاحظ أن عدم مسئولية الرئيس ليست بلا فائدة بل وراءها فكرة يمكن أن يعتبرها البعض منطقية. الرئيس هو العنصر الأكثر استقرارًا في النظام وذلك لأنه 1) غير مسئول و2) يبقى في الحكم مدة طويلة – 6 سنوات قابلة للتجديد دون حد أقصى – لضمان بقاءه على كرسيه الذي هو ضمان للاستقرار السياسي للدولة.

ليست مصر الدولة الوحيدة التي تتبنى هذه الفكرة. نموذج فرنسا قريب للنموذج المصري إذ أنها جمهورية يحكمها رئيس يشكل أيضًا العنصر الأكثر استقرارًا لأنه يظل على كرسيه طويلا ً (5 سنوات قابلة للتجديد دون حد أقصى، كانت 7 سنوات قبل تعديل هذه المادة عام 2000) وهو يتمتع أيضًا بعدم المسئولية بحسب المادة 68 من الدستور الفرنسي الحالي التي تقر أن "رئيس الجمهورية غير مسئول عن الأفعال الصادرة أثناء أداءه لوظيفته إلا في حالة الخيانة العظمى [...]" وخصوصًا أن قرارات الرئيس الفرنسي يجب أن تحمل توقيع رئيس الوزراء أو الوزير المختص حتى تكون نافذة وبالتالي يتحمّل الوزير الموقـِّع كل المسئولية.

غير أن درجة نضج ووعي الناخب الفرنسي وتطور الحياة الديمقراطية في فرنسا، وهي التي تأرجح نظامها السياسي ما بين الجمهورية والملكية والإمبراطورية منذ ثورة 1789 حتى أن الجمهورية الحالية اسمها الجمهورية الخامسة، تسمح للنظام بالاستفادة من مزايا الاستقرار السياسي الناتج عن عدم مسئولية الرئيس دون خوف من إمكانية سوء استخدامه للسلطة خصوصًا أن الرئيس (الفرنسي أو المصري) مسئول عن أفعاله بشكل غير مباشر مرة واحدة كل عدة سنوات إذا أراد أن يستمر في الحكم مدة رئاسية أخرى.

هناك نماذج أخرى مختلفة مثل إسرائيل التي لها رئيس جمهورية غير مسئول لأنه لا يحكم فعليًا إذ أن السلطات الحقيقية والمسئولية تتركز في منصب رئيس الوزراء، وكندا التي لا يوجد لديها عنصر مستقر وهي تستعير هذا العنصر من بريطانيا بواقع تبعيتها للتاج البريطاني وإن لم يكن لذلك تأثير يذكر على الحياة السياسية، وأيضًا الولايات المتحدة التي ليس فيها عنصر مستقر من الأساس وذلك حبًا في التغيير والتجديد.

اقتراحي للدستور المنشود وللقوانين المكملة له:

أقترح إعفاء رئيس الجمهورية من دوره في وضع السياسة العامة للدولة والإشراف على تنفيذها تاركين هذه المهمة للوزارة (التي سأقترح في أطروحة لاحقة أن يكون رئيسها منتخبًا) وبهذا الشكل يظل الرئيس العنصر الأكثر استقرارًا ويظل يتمتع بعدم المسئولية بحيث تكون عدم مسئوليته متناسبة مع محدودية صلاحياته.
ـ

الدستور المصري - دستور مصر - الدستور المصري - دستور مصر -الدستور المصري - دستور مصر - الدستور المصري - دستور مصر -الدستور المصري - دستور مصر - الدستور المصري - دستور مصر -الدستور المصري - دستور مصر - الدستور المصري - دستور مصر -الدستور المصري - دستور مصر - الدستور المصري - دستور مصر -الدستور المصري - دستور مصر - الدستور المصري - دستور مصر -الدستور المصري - دستور مصر - الدستور المصري - دستور مصر -الدستور المصري - دستور مصر - الدستور المصري - دستور مصر